الأحداث المتلاحقة والسريعة التى شهدتها سوريا الشقيقة، والتى أفضت إلى وضع نهاية لأسرة الاسد التى حكمت نحو ٥٠ سنة، وهروب الأسد الشبل أو الإبن بشار بدون كلمة وداع لشعبه، ومنح روسيا حق اللجوء له هو وأسرته لأسباب إنسانية...
تلك الأحداث وما أعقبها من إطلاق سراح سجناء ومعتقلين من سجون بشار المنتشرة فى أنحاء سوريا، والتى كشفت عن كم بشع من جرائم التعذيب والقتل بلا محاكمة عادلة، وتحول أجهزة الإعلام السورية الرسمية التى كانت تمدح بشار وترفعه مكانا عليا، إلى الهجوم عليه ولعنه وتعديد مثالبه وكشف سوءاته، فضلا عن قيام إسرائيل بتوجيه ضربات للقدرات العسكرية السورية، وتوسيع رقعة الأراضى التى تحتلها.. كل هذه التطورات تشي بالعديد من الدروس التى ينبغى التوقف أمامها واستيعابها والاستفادة منها.
أول هذه الدروس أن الظلم مهما طال له نهاية، وأن الظالم مهما طغي وتجبر وتكبر حتما سيسقط.
ثانى هذه الدروس أن العلاقة بين الحاكم والمحكومين، القائمة على الاحترام المتبادل أقوي ألف مرة من العلاقة القائمة على الخوف من القمع، والخوف من الاعتقال والسحل وغياهب السجون.
ثالث هذه الدروس أن التأييد الناتج من الخوف والقمع، سرعان ما يتلاشى ويتبدد وينقلب إلى الضد إذا ما سنحت الفرصة.
رابع هذه الدروس ثبت بالدليل القاطع أن إغراق المبانى والمنشأت والشوارع والمكاتب والعربات بصور الحاكم، لا يفيد إذا لم تكن صوره فى قلوب أبناء الشعب.. مثلما ثبت أن تماثيل الحاكم الطاغى تعامل معاملة الأصنام التى تحطم وتداس بالأقدام.
خامس هذه الدروس أن الأرقام القياسية لأعداد المدارس والجامعات والمستشفيات أهم ألف مرة من الأرقام القياسية لأعداد السجون والمعتقلات ومراكز الاحتجاز والتعذيب.
سادس هذه الدروس أن سوريا كان من الممكن أن تتجنب كل ذلك بالديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون والتداول السلمى للسلطة.
سابع هذه الدروس وربما أهمها أن الجيش ينبغى أن يكون جيش الدولة وجيش الشعب، مهمته الدفاع عن الأرض والعرض وحماية الشعب، مثلما ينبغى ألا يكون الجيش ملكا للحاكم، مسخرا لحمايته وتنفيذ أوامره وتحقيق أحلامه، حتى لو كانت أحلامه فى حقيقتها كوابيس للشعب.
أعترف بأننى لا أستطيع تحديد مشاعري تجاه أحداث سوريا، فهى تتأرجح بين السعادة بسقوط طاغية لم يحترم شعبه واحتقر حقوق الإنسان، وبين الخوف من تناحر من أسقطوا بشار وصراعهم على السلطة والمغانم، وأخوف ما أخافه ان تتعرض سوريا الشقيقة للتقسيم والنهش من أطراف متعددة.. والخوف كل الخوف من تفكك وتلاشى الجيش السوري الذى شارك الجيش المصري معركة السادس من أكتوبر أعظم المعارك العربية فى العصر الحديث.
أدعو الله أن تتفق كل الفصائل السورية على كلمة سواء، وأن يتم الحفاظ على الجيش السوري، ويقوم بمهمته الأساسية، وهى الدفاع عن الأرض والتصدي لأي عدوان، وأن ينحاز حكام سوريا الجدد إلى الديمقراطية، وأن يضعوا الشعب السوري فوق رؤوسهم، وأن يحاولوا بكل الإخلاص اكتساب حب واحترام السوريين، وألا يقعوا في أخطاء وخطايا من خلعوه، الهارب من بلده من استأسد على شعبه بلا رحمة أو ضمير.
-----------------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج